Índice

Presentación

Introducción al sufismo

La vida de Šayj Aḥmad al-Tiŷānī

Las condiciones de la Vía Tiŷāniyya

El método de la Vía Tiŷāniyya

Los favores de la Vía Tiŷāniyya

La Fayḍa Tiŷāniyya

Šayj Ibrāhīm Nyasse

Šayj cAbda-l·lāh Djā

Enseñanzas de la Vía Tiŷāniyya

Súplicas de la Vía Tiŷāniyya

Lengua árabe

Fiqh Mālikī

Noticias

Multimedia

Enlaces

Contactar

بغية المستفيد

لشرح منية المريد

 

تأليف

سيدي العربي بن السائح الشرقي العمري التجاني


مقدمة

تشتمل على سبعة مطالب مهمة


المطلب السادس

في بيان اختلاف اولياء الله تعالى في الطرائق والمذاهب

والاشارة الى ان منشا ذلك هو تباين الاذواق والمشارب


لا يخفى على الاريب، وجه المناسبة في اشتمال هذه المقدمة على هذا المطلب العجيب، لما تنتجه للمريد مطالعته، وتثمره للسالك مراجعته، من الفوائد العظيمة، والمنافع الجسيمة. ولو لم يكن الا سلامته من الوقوع في مهاوى الانكار، والتردي فيما تردى فيه كثير من الاغمار، بالانتقاد على الاولياء الابرار، والعارفين الكبار، وذلك بما استفادوه من الاقيسة الخيالية، والتخمينات الوهمية، باستقرائهم السقيم ومذهبهم الفاسد، في اعتقادهم ان الولاية لا تجري في كل زمان وفي كل شخص الا على قانون واحد، وانها مما تشمله الحدود ويدخل تحت محيطات الضوابط والقواعد.

وقد صرح في [الذهب الابريز] بانه: لا يصح لاحد ان يحجر الفضل العظيم، فيقطع على المولى الكريم، بانه لا يختار لبساط كرامته، ولا يصطفى لحضرة قربه ومشاهدته، الا من صدقت عليه تلك الحدود والضوابط، واستُكْمِلَتْ فيه تلك العلاماتُ والشرائط. قال: "وقد يبلغ الجهل باهل الانكار والجحود، الى نفى الولاية عن كل موجود، لما استحكم في قلوبهم من حصرها في ضوابط معلومة، وتحقيقها بقواعد مرسومة. فترى الواحد منهم يعرض على ما معه من القواعد والضوابط والاراء والانظار، احوال كل واحد ممن يراه او يسمع به من الاولياء الكبار، فيجدها لا تنطبق على احواله، فينفي عنه الولاية بكل وجه وكل اعتبار، ويصير مال حاله الكاسد، انه يؤمن بوليّ لا وجود له في الشاهد. ولم يدر ان الولاية مجرد اصطفاء من الله تعالى الفعال لما يريد، لمن يشاء ويختار من العبيد، وانها ليس مما يدرك بالتخمين، ولا مما يقدر على ضبطه احد من المخلوقين" اه بمعناه.

ولهذا الذي اشتملت عليه هذه الفائدة الجليلة، من النكت البديعة والمنافع الجزيلة، حسن منا ايراد هذا المطلب في جملة مطالب هذا الكتاب، ما هو ان شاء الله تعالى الا الخالص منها واللباب، فنقول، والله تعالى الموفق للصواب:

اعلم انَارَ الله قلبي وقلبك بانوار الايمان واليقين، وامدنا جميعا بما امد به اولياءه المتقين، ان الاتساع الالهي، الذي لا يحتمل الحصر ولا التناهي، يابى انحصار المواهب الاختصاصية، والمنح الاصطفائية، في نوع من انواع الصفات الكمالية، او صنف من اصناف النعوت الجلالية والجمالية، لان المفيض لتلك المواهب والعطايا، والمخصص بتلك المنائح والمزايا، هو المولى الجواد الكريم، ذو الفضل العظيم، والطول الجسيم، الفاعل المختار، الموصوف بكمال الاقتدار، الذي لا يسال عما يفعل ويخلق ما يشاء ويختار.

 واذا كان سبحانه هو الواهبُ لتلك المواهب، المانحُ لتلك التخصيصات والرغائب، وكان سبحانه فتاحا على الدوام، وهابا بلا انقطاع ولا انصرام، فكيف تنحصر مواهبه لاوليائه في شيء من الانواع والاجناس، او تدخل منحه لخاصة اصفيائه تحت حيطة ضابط او قياس.

 فبهذا الاصل ان احكمْته علما، وفتح الله عليك في التحقُّق به ذوقا وفهما، يسهل عليك الاطلاع على توجيه اختلاف مذاهب الاولياء وعدم توافق طرائقهم، وينحل لك ما يُشْكِلُ عليك من تباين اذواقهم وحقائقهم، وتعرف موجب الانكار من البعض منهم على البعض، ومعاملته اياه بالحط من قدره والغض. فحينئذ لا يستفزك ظاهر احوالهم، ولا يَحْجُبُك عن الاستمداد منهم والاقتباس من نور كمالهم. وتَرْسَخُ قدمك ان شاء الله تعالى في المتابعة لمن اتخذته منهم امامك، فالقيت اليه قيادك وملكته زمامك. فتظفرُ يمينك بكيمياء السعادة، وتستنتج نتائج النُّجْح من مقدمات هذه الافادة، وتعثر ذوقا على موقع[1] الاشارة من قوله تعالى ﴿لِلَّذِينَ احْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَّادَة.

ولنذكر من كلام العلماء العاملين، والمشائخ الكاملين، ما يدل لتحقيق ما قصدنا الاشارة اليه في هذا المقام.

قال الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في مؤلفه الذي سماه [الخبر الدال، على وجود القطب والاوتاد والنجباء والابدال] ما نصه: ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه "ان لله عز وجل في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب ادم عليه السلام. ولله في الخلق اربعين قلوبهم على قلب نوح عليه السلام. ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب ابراهيم عليه السلام. ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام. ولله في الخلق ثلاثةً قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام. ولله في الخلق واحد قلبه على قلب اسرافيل عليه السلام.

فاذا مات الواحد ابدل الله مكانه من الثلاثة، واذا مات من الثلاثة ابدل الله مكانه من الخمسة، واذا مات من الخمسة ابدل الله مكانه من السبعة، واذا مات من السبعة ابدل الله مكانه من الاربعين، واذا مات من الاربعين ابدل الله مكانه من الثلاثمائة، واذا مات من الثلاثمائة ابدل الله مكانه من العامة. فبهم يحيي ويميت، ويمطر وينبت ويدفع". قيل لعبد الله بن مسعود: "كيف يحيي ويميت" قال "لانهم يسالون الله تعالى اكثار الامم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فَيُقْصَمُونَ، ويَسْتَسْقُونَ فَيُسْقَوْنَ فَتُنْبِتُ لهم[2] الارض، ويدعون فَيُدْفَع بهم انواعُ البلاء". اخرجه ابن عساكر" ا ه، الغرض هنا.

وعنده في مؤلفه المذكور ايضا ما نصه: "وفي كفاية المعتقد لليافعي نَفَّع الله ببركاته ما نصه: قال بعض العارفين: الصالحون كثيرون مخالطون للعوام لصلاح الناس في دينهم ودنياهم. والنجباء في العدد اقل منهم. والنقباء في العدد اقل منهم وهم مخالطون للخواص. والابدال في العدد اقل منهم وهم نازلون في الامصار العظام، لا يكون منهم في المصر الا الواحد بعد الواحد، فطوبى لاهل بلدة كان فيها اثنان منهم. والاوتاد واحد باليمن، وواحد بالشام، وواحد بالمغرب، وواحد بالمشرق. والله تعالى يدير القطب في الافاق الاربعة من اركان الدنيا كدوران الفلك في افق السماء. وقد سُتِرت احوال القطبِ، وهو الغوث، عن العامة والخاصة غيرة من الحق عليه، غير انه يُرى عالما كجاهل، ابله كفطن، تاركا اخذا، قريبا بعيدا، سهلا عسيرا. وكُشفت احوال الاوتاد للخاصة والعارفين. وسُترت احوال النجباء والنقباء عن العامة خاصة، وكُشف بعضهم لبعض. وكشفت احوال الصالحين للعموم والخصوص ليقضي الله امرا كان مفعولا.

 "وعدة النجباء ثلاثمائة. والنقباء اربعون. والبدلاء قيل ثلاثون، وقيل اربعة عشر، وقيل سبعة، وهو الصحيح. والاوتاد اربعة. فاذا مات القطب جُعل مكانه خيار الاربعة، واذا مات احد من الاربعة جعل مكانه خيار السبعة، واذا مات احد السبعة جعل مكانه خيار الاربعين، واذا مات احد الاربعين جعل مكانه خيار الثلاثمائة، واذا مات احد الثلاثمائة جعل مكانه خيار الصالحين. واذا اراد الله سبحانه ان يقيم الساعة اماتهم اجمعين، وبهم يرْفَع عن عباده البلاء، ويُنْزِل قطر السماء".

"وقال بعض العارفين: والقطب هو الواحد المذكور في حديث ابن مسعود انه على قلب اسرافيل، ومكانه في الاولياء كالنقطة في الدائرة التي هي مركزها، به يقع صلاح العالم"اه.

وكلام اليافعي هذا صريح في ان من الاولياء من ليس من اهل الدائرة وهم الصالحون وعددهم كثير. ويؤخذ منه انهم هم المعبر عنهم في حديث ابن مسعود بالعامة. وكلامه ايضا صريح في ان احوال الاولياء منها ما لا يُكشف لاحد، ومنها ما يكشف للخاصة منهم فقط، ومنها ما يكشف للخاصة والعامة، اي والعامة منهم، وهم الصالحون لا غير، والا فمن اين لغير الولي ان يعرف الولي. فكلامه هذا كالتفسير لحديث ابن مسعود رضي الله عنه. فافهم ذلك.

وهنا دقيقة، وهي ان قوله "وكشفت احوال الصالحين للعموم والخصوص يقتضي ان من ليس من اهل الدائرة من الصالحين يعرفه كل من كان من اهل الدائرة، وكذا من ليس من اهل الدائرة مثله. وليس المنصوص لائمة الطريق كذلك. ففي [النزهة] للعارف بالله تعالى سيدي احمد بن عبد القادر التَّسْتَاوُتِي رضي الله عنهم ما نصه: "ويحكى عن الخضر عليه السلام انه اجتمع ببعض الصالحين، فقال له ذلك الصالح: هل تعرف الاولياء جملة فقال عليه السلام: اعرف اهل الدائرة، وغيرهم منهم من اعرفه ومنهم من لا اعرفه. فساله عن عدد اهل الدائرة، فقال: هم واحد، وثلاثة، واربعة، وسبعة، وعشرة، واربعون، وسبعون، وثلاثمائة. ولو اطلع السبعون على الاربعين لراوا سفك دمائهم حلالا كما وقع لي مع موسى عليه الصلاة والسلام. فليس الشارب من الماء كالشارب من العسل المصفى، ولا الشارب من العسل كالشارب من الخمر، ولا الشارب من الخمر كالشارب من اللبن، وهو شراب اهل التمكين، ولا الساقي لهم من هذا كالساقي لهم من هذا، ولا النَّشْوان من هذا كالنشوان من هذا. وقد تدفع هذه الكؤوس كلها بيد واحد يسقى كل وارد على حسب ما سبق له يوم ﴿الَسْتُ بِرَبِّكُمْ اه.

وقد دل كلام الخضر عليه السلام على ما يتايد به كلام اليافعي من ان لله تعالى اولياء كثيرين من غير اهل الدائرة.

 وقوله: "منهم من اعرف ومنهم من لا اعرفه"، نص في ان الصالحين، يعني عامة الاولياء الذين ليسوا من اهل الدائرة، يُعرف بعضُهم لا كلُّهم لانه اذا كان الخضر عليه السلام لا يعرف كلهم فغيره بالاولى. والله تعالى اعلم.

وقد قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه فيما ذكره عنه صاحب [الجامع] رحمه الله تعالى: ان الاولياء الذين ليسوا من اهل الديون كثيرون، ومع كثرتهم فهم طوائف، كل طائفة لها عدد لا ينقص. فاذا مات الواحد منهم خلفه غيره في مرتبته". قالرضي الله عنه : "ومنهم طائفة تسمى الضنائين عددهم اربعة الاف". قال: "وكذلك الذخائر، طائفة اخرى وعددهم اربعة الاف ايضا". قال: "ومرتبة هاتين الطائفتين انهم يعتقدون وجود الكون ولا يرونه لانهم غرقى في بحار الالوهية" اه وهو مؤيد لما تقدم عن اليافعي ايضا.

ثم ان قول الخضر عليه السلام: "ولو اطلع السبعون على الاربعين لراوا سفك دمائهم حلالا"، يريد انهم لو اطلعوا على ما يتحققون به من الحق في بواطنهم لافتوا بسفك دمائهم. وذلك لان كل واحد منهم يطلعه الله تعالى على ما لم يطلع عليه غيره، فيطلع هذا على ما لم يطلع عليه الاخر، ويطلع الاخر على ما لم يطلعه هو ايضا عليه بحسب ما اقتضته المشيئة الربانية، والقسمة الالهية ومن هنا جاء انكار بعضهم على بعض حتى ربما افضى الامر في ذلك الانكار الى التكفير.

ورايت في [حاشية الابار] على مختصر الشيخ خليل عند قوله فيه: "ولا عالمٌٍ على مثله" ما نصه: "ذكر صاحب كتاب المعارج انه قد يفضى انكار القوم بعضهم على بعض الى ان يكفر بعضهم بعضا، وذلك من اجل ان يحكم بحاله على غيره. وقال ابو حامد في احيائه: ولذلك تخلتف اجوبتهم. وهذا معنى قول تاج الدين: تنوعت اجناس الاعمال، لتنوع واردات الاحوال. وواردات الاحوال ما يرد على القلوب من المعارف. فقد يكون وارد يوجب قبضا، واخرُ يوجب بسطا، او هيبة، او انسا، او رجاء، او خوفا. وانظر قضية يحيى وعيسى عليهما السلام حين التقيا فقال احدهما لصاحبه: كانك امن من مكر الله؛ فقال له الاخر: كانك ايس من رحمة الله؛ فتنوع ما ظهر عليهما لتنوع وارد حاليهما. وكل منهما صادق بنسبته. فلهذا يجب تحسين الظن بالجميع، وان لا يسمع كلام البعض في البعض، لاجل غيرتهم على الدين لا تحسادِهم اه بلفظه من الحاشية المذكورة.

وقد جرى التعبير بمثل عبارة الخضر عليه السلام في قوله: "لراوا سفك دمائهم" الخ على السنة كثير من السلف والخلف. فقد روى عن ابي هريرة رضي الله عنهم انه قال: "ملات من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين، اما احدهما فها انا ابثه لكم، واما الاخر فلو بثثته لكم لقطع مني هذا البلعوم" اه ومعلوم انه لا يقطع منه البلعوم الا بافتاء من لم يطلعه الله تعالى على ما اختص به من العلم الذي يتحققه في باطنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى مثل ذلك عن مولانا علي كرم الله وجهه.

 وعليه قول امام الطائفة الجنيد رضي الله عنهم: "لا يبلغ احد درجة الحقيقة حتى يشهد فيه الف صدّيق بانه زنديق" اه قال الشيخ محيي الدين رضي الله عنه: "وذلك لانهم يعلمون من الله تعالى ما لا يعلمه غيرهم". قال: "وهؤلاء هم حملة العلم الذين كان يقول فيهم علي بن ابي طالب رضي الله عنه حين يضرب بيده على صدره ويتنهَّد: ان ههنا علوما لو وجدت لها حملة" اه.

وكثيرا ما كانت تجري هذه العبارة على لسان سيدنا الشيخ رضي الله عنهكما يعلم من استقراء كلامه في رسائله وغيرها. ولعلك تقف على بعض ذلك اثناء الكلام على ابيات النظم ان شاء الله تعالى.

وفي قول امام الطائفة رضي الله عنه: "لا يبلغ احد درجة الحقيقة" الخ، ارشاد الى ان كل واحد من الاولياء له ذوق خاص به في مرتبته الخاصة به وان اشتركوا في المقام. وقد صرح سيدنا ومولانا الشيخ رضي الله عنه بذلك اتم تصريح، وبسط القول فيه بما يغنى عن التلويح. ونص كلامه رضي الله عنهم في بعض اجوبته لمن ساله عن شطحات الاولياء رضي الله عنهم اجمعين: "ان الله تعالى يفيض على كل ولي في حضرته من الخيرات الكثيرة، والمنح الجسيمة، مالا يعلم قدره الا معطيه. وكل واحد من العارفين له حضرة خاصة به. وربما اشترك في الحضرة الواحدة جماعة، لكنهم يتفاوتون فيها بحسب القِسم الالهية.

"فاذا عرفت هذا فاعلم ان الله تعالى قد يمنح بعضهم اسرارا خاصة في الحضرة الخاصة به او المشترَكة، ويقال له: هذا لم يعط لاحد قبلك ولا يعطي لاحد بعدك. فيتكلم به، ويصرح بانه في اعلى المراتب والمقامات. وياتي مَنْ بعدَه فيقول مثل مقالته او اكثر. وياتي اخر واخر حسبما هو معلوم من شطحات الاولياء.

ثم قال رضي الله عنه جوابا عما اورده السائل على هذا الكلام ما نصه: "ان الاولياء صادقون فيما يدعي كل واحد منهم لان كل واحد يعطَى في حضرته ما لم يعط لغيره ويسمع في حضرته الخطاب به". قيل له: "كيف نصنع بمراتب اهل الديوان، فان بعضها اعلى من بعض بلا ريب كمرتبة القطب مع غيره" فقال رضي الله عنهم ما حاصله: "ان ذلك الذي يُعطَى للولي في حضرته الخاصة به انما هو مزية في حقه وهي لا تقتضي تفضيله على من هو اعلى منه كغير القطب مثلا مع القطب".

 ثم قال رضي الله عنهم: "وذلك كما يقع لبعض العارفين من انه يدرك من العلوم المحمدية اكثر من القطب مع انه لا يشم رائحة لمقامه، ولا يقدر على تجلياته. وكقضية سيدنا الخضر مع سيدنا موسى عليهما السلام مع ما ذكر من ان لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام الفَ مجلس مع الله تعالى في مدة حياته، كل مجلس وهبه الله تعالى من العلوم ما يَبْهَر عقول الخلق اجمعين، وكالقطب المكتوم مع غيره". ثم قال رضي الله عنهم: "وليس مرتبة كاملة من جميع الوجوه الا لسيد الوجود صلى الله عليه وسلم" اه.

وقد وقفت لبعض اهل التحقيق، ممن له اليد الطولى في علوم الاذواق واسرار الطريق، في بعض مؤلفاته المتلقاة عند الخاص والعام، بالقبول التام، على كلام موافق لكلام الشيخ رضي الله عنهمفي افادة ان كل واحد من الاولياء يختص بما لا يشاركه فيه غيره وان كان اعلى منه مقاما، ونصه: "واعلم انه لما كانت هذه الطريق امرها عجيب، وسرها غريب، قلما تجد اهلها متفقين، او يثبت احدهم للاخر قدما، او يكون له معظما، بل ترى الغالب ان كل واحد يدعي انه الواصل، وان غيره ليس عنده طائل، حتى قال بعضهم: ان للقطب مائة الف مقام واثنين واربعين الف درجة.وكل واحد ممن سلك مرتبة من هذه المراتب، او مقاما من هذه المقامات، يرى انه لم يَسْلُك احد مقامه لقوة انواره، وعظيم اسراره" اه بلفظه.

وبهذا الذي ذكرناه عن هؤلاء الاعلام، والفحول العظام، تتحقق سعة فضل مولانا الملك العلام، فيما يتحف به كل واحد من اوليائِه الكرام.

ثم لا يخفى عليك بعد التحقق بذلك، توجيه ما يظهر من اختلافهم في الطرق والمسالك، وتعلم ان منشا ذلك الاختلاف، كما يظهر لمن سلك سبيل الانصاف، وتجنب طريق الاعتساف، هو تباين ما يختص به كل واحد منهم في حضرته، وينفرد به عمن سواه في رتبته، من الاسرار العجيبة، والاذواق الغريبة، البارزة له من الدائرة الفضلية، على حسب القِسم الازلية. وتعلم لا محالة ان كل واحد منهم على بينة من ربه وبصيرة فيما ينتحيه هو ومن اتبعه من المريدين الصادقين، والسالكين الموفقين، فتلحظ الجميع بعين الكمال، معتقدا ان الكل يشير الى ذلك الجمال، فتلجُ بُحبوحة التسليم، وينسحب عليك من فضل الله تعالى ذيل ﴿مَنْ اتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾.

واذ قد حَصَّلت على توجيه الخلاف بين مذاهبهم، وعثرت على وجه التحقيق في تباين مشاربهم، وانه لِتَبَايُنِ ما يختصون به في مقاماتهم ومراتبهم، فينبغي ان نذكر لك بعض ما لائمة هذا الشان، من التقسيمات للطرق التي عليها مدار السلوك والتسليك في هذا الميدان، ليكون ما نذكره من ذلك كالامثلة لما قدمناه من المسائل، اذ بالامثلة تقرر الحقائق في ذهن كل طالب وسائل.

وذلك بعد ان تعلم ان الطريق ان اعتُبِرت من حيث ثمرتُها المقصودة منها وهي معرفة الله تعالى، ومعرفة الاداب المطلوبة في جميع مقاماتها ومنازلها، وكذا من حيث الوسيلة المعتمدة في الاسباب الموصلة اليها وهي اتباع شريعته صلى الله عليه وسلم فهي متحدة. وان اعتُبرت من حيث اختلاف كيفيات اجتناء تلك الثمرة، وتنوع الوسيلة المعتبرة، فهي متعددة.

وبالنظر الى تعددها قسمها جمع من الائمة الكبار، وتعددت تقسيماتهم بحسب ما راعاه كل واحد في تقسيمه من الاعتبار.

 فقسمها العارف السهروردي رضي الله عنهم في [عوارفه] الى طريقين، يجمعان جميع احوال اهل التحقق بالطريق بلا مين: طريق المجذوبين المرادين، وطريق السالكين المريدين. قال: "واليهما الاشارة بقوله تعالى ﴿اللهُ يَجْتَبِي الَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي الَيْهِ مَنْ يُنِيبْ﴾. قال: "فقوم منهم خُصوا بالاجتباء الصِّرف، وقوم خصوا بالهداية بشرط مقدمة الانابة". ثم بسط الكلام في تقرير كل من الطريقين بما يعلم بالوقوف عليه لمن اراده.

ومن احسن العبارات في ذلك قول التاج بن عطاء الله رضي الله عنهم في [حكمه]: "قوم تَسْبِق اذكارُهم انوارَهم، وقوم تسبق انوارُهم اذكارَهم: ذاكر ذكر ليستنير قلبه، وذاكر استنار قلبه فكان ذاكرا". فسبقية الاذكار للانوار كما قاله ابن عباد رحمه الله تعالى: "هي حالة المريدين السالكين، وذلك لان شانهم المجاهدة والمكابدة، فهم ياتون بالاذكار في حال تكلف منهم وتعمِّل ليحصل لهم بذلك زوائد الانوار. وسبقية الانوار للاذكار حالة المرادين المجذوبين لانهم مقامون في السهولة والخفة. فهم لما وُوجهوا بالانوار حصلت منهم الاذكار بلا تكلف ولا تعمل".

ومن اوضح التقريرات لهذا المعنى قول التاج بن عطاء الله ايضا في [لطائف المنن] على قول شيخه المرسى رضي الله عنهم: "الناس على قسمين: قوم وصلوا بكرامة الله الى طاعة الله، وقوم وصلوا بطاعة الله الى كرامة الله. قال الله تعالى ﴿اللهُ يَجْتَبِي الَيْهِ مَنْ يَشَاءْ﴾ الاية"، ما نصه:

"ومعنى كلام الشيخ هذا ان من الناس من حرك الله تعالى همته لطلب الوصول اليه، فسار يطوي مهامه نفسه، وبيداء طبعه، الى ان وصل الى حضرة ربه. فيصدق على هذا قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾. ومن الناس من فاجاته عناية الله تعالى من غير طلب ولا استعداد، ويشهد لذلك قوله تعالى ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَّشَاءُ﴾. فالاول حال السالكين. والثاني حال المجذوبين. فمن كان مبدؤه المعاملة، فنهايته المواصلة. ومن كان مبدؤه المواصلة، رد الى وجود المعاملة. ولا تَظُنَنَّ ان المجذوب لا طريق له، بل له طريق طوتها له عناية الله تعالى فسلكها مسرعا عاجلا. وكثيرا ما تسمع ان السالك اتم من المجذوب، لان السالك عرف طريقا بها تَوَصَّل اليه، والمجذوبَ ليس كذلك، وهذا بناء على ان المجذوب لا طريق له. وليس الامر كما زعموا، فان المجذوب طويت له الطريق ولم تطو عنه، ومن طويت له الطريق لم تفته ولم تغب عنه، وانما فاته متاعبها، وطول امدها. والمجذوب كمن طويت له الطريق الى مكة، والسالك كالسائر اليها على اكوار المطايا".اه

 قال ابن عباد رحمه الله تعالى: "وهو حسن قل ان يوجد لغيره" اه.

وانظر قوله في [الحكم]: "دل بوجود اثاره على وجود اسمائه" الخ وما قيده عليه ابن عباد رحمه الله تعالى تستفد زيادة في تقرير هذه الجملة.

 وفي اخر جواب لسيدنا الشيخ رضي الله عنهم عن الاية الكريمة ﴿اللهُ يَجْتَبِي الَيْهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ الاية بعد تقريره للطريقين ، وذكره لحالة الاجتباء امثلة تتضح بها كما هي عادته رضي الله عنهم ، ما نصه: "وفي هذا يقول بعض الصوفية في سيدنا موسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام: ان سيدنا موسى عليه السلام لما اراد الله تعالى به الارتحال اليه امره بصيام ثلاثين يوما متصلة ليلا ونهارا، فلما كملت انكر خُلوفَ فمه فتسوك بعود خُرنوب طلبا لزوال ما انكره، فعاتبه الله تعالى على ذلك، وامره بزيادة عَشْرٍ لتكمل اربعين ليلة.

واما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فلم يؤمر بشيء، وانما كان من امره في ذلك ان نزل عليه الملك فقال: قم، فعرج به. فَسُلِك بسيدنا موسى عليه السلام مسلك المريد السالك حيث امِر بتقديم السبب، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مسلكَ المُراد فاجْتُبِي بلا سبب، وقُرِّب بلا علة، بل بمحض الجود والكرم" اه.

وهذا ساقه الشيخ رضي الله عنهم كالمثال لتعقل الطريقين بعد ان قدم التصريح بان جميع الانبياء عليهم الصلاة والسلام لم يذكر فيهم الا الاجتباء، واستدل رضي الله عنه لذلك بعدة ايات قرانية. فتنبه لذلك. ولا يذهب بك القصور الى توهيم اهل الله تعالى وتخطئتهم، فان لهم السنةً اعجميةً على غير اهلها وهي لاهلها لسان عربي مبين.

وانما اطلت في بيان هذين الطريقين، ليكون في ذلك شرحُ ما عسى ان يُتَوقَّف في فهمه مما سنذكره في شرح ابيات النظم ان شاء الله تعالى من ان اهل طريقنا هذه الاحمدية مسلوك بجميعهم طريق المرادين، وذلك احد الوجوه التي من اجلها سُميت بالمحمدية بالمعنى الاخص كما سيبين في المطلب بعد هذا ان شاء الله تعالى.

تنبيه: قال في [العوارف] بعد تقريره الطريقين المذكورين ما نصه: "ودونهما طريقان اخران ليسا من طرق التحقق بالطريق في شيء: احدهما: مجذوب ابتر، مَا رُدَّ الى الاجتهاد بعد الكشف، والثاني: سالك ابتر، ما خَلَص بعد الاجتهاد الى الكشف" اه. وهذان القسمان لا اعتداد بهما في الطريق كما صرح به سيدنا الشيخ رضي الله عنه قائلا: "والاعتداد انما هو بمجذوب متدارَك بالسلوك، وسالك متدارك بالجذب لا غير".

- وقسمها جمع من المتاخرين الى طريقين ايضا، لكن لا بالاعتبار السابق، بل باعتبار التربية والتسليك. الطريقة الاولى: طريقة الشكر. والثانية: طريقة الرياضة ومجاهدة النفس. وربما سمى بعضُهم الاولى طريقة الشاذلي، والاخرى طريقة الغزالي. وقد تقدم لنا الكلام فيهما فيما عدا هذا من المطالب مع التنبيه على ان طريقنا طريقة شكر. ولسيدنا الشيخ رضي الله عنه في ذلك كلام نفيس فليراجع في محله من [جواهر المعاني].

وكان رضي الله عنه يقول: "من لم يدخل في هذا الزمان من باب الشكر لا يدخل". وسياتي لنا مزيد بيان لهذا في المطلب بعد هذا ان شاء الله تعالى.

- وقسمها الشيخ محيي الدين الحاتمي رضي الله عنه الى ثلاث، لا بالاعتبارين السابقين، بل باعتبار بعض المقامات، وما يَعْرض لاصحابها من الامارات والعلامات.

ولنورد كلامه هنا بلفظه لما اشتمل عليه من الفوائد المهمة. ونصه: "رجال الله ثلاثة لا رابع لهم":

. "رجال غلب عليهم الزهد والتبتل والافعال الطاهرة كلها، وطهروا ايضا بواطنهم من كل صفة مذمومة قد ذمها الشرع، الا انهم لا يرون شيئا فوق ما هم عليه من هذه الاعمال، ولا معرفة لهم بالاحوال ولا بالمقامات والعلوم الالهية الوهبية، ولا بالاشراق والكسوف، ولا شيئا مما يجده غيرهم. فهؤلاء يقال لهم العٌبّاد. وهم اذا جاءهم احد يطلب منهم الدعاء ينتهرونه ويقولون له: اي شيء نحن حتى ندعو لك وما منزلتنا. خوفا من ان يتطرق اليهم العُجب، وخوفا من غوائل النفس، لئلا يدخلهم الرياء في ذلك.

. "ورجال فوق هؤلاء. يرون الافعال كلها لله تعالى وانهم لا فعل لهم اصلا. فزال عنهم الرياء جملة واحدة. واذا سالتهم عن شيء مما يجوزه اهل الطريق يقولون ﴿قُلِ اللهَ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾.وهم مثل العُباد في الجد والاجتهاد والورع والمقامات، والعلوم والاسرار والكشوفات والكرامات، فتتعلق هممهم بنيلها. فاذا نالوا شيئا من ذلك ظهروا به في العامة من الكرامات، لانهم لا يرون غير الله، وهم اهل اخلاق وفتوة. وهذا الصنف يسمون الصوفية. وهم بالنظر لاهل الطبقة الثالثة اهل رُعونة واصحاب نفوس. وتلامذتهم مثلهم اصحاب دعاوي، حتى انهم ربما يُظهِرون الرياسة على رجال الله.

. والصنف الثالث : رجال لا يزيدون على الصلوات الخمس الا الرواتب، ولا يتميزون على المؤمنين المؤدين فرائض الله بحالة زائدة يُعرَفون بها، يمشون في الاسواق، ويتكلمون مع الناس. لا يبصر احد من خلق الله واحدا منهم يتميز عن العامة بشيء زائد على عمل مفروض او سنة معتادة في العامة. قد انفردوا مع الله راسخين، لا يتزلزلون عن عبوديتهم مع الله طرفة عين، ولا يعرفون للرياسة طعما لاستيلاء الربوبية على قلوبهم". الى اخر ما وصفهم به. ثم قال: "فهم ارفع الرجال مقاما، وتلامذتهم اكبر الرجال، يتقلبون في اطوار الرجولية رضي الله عنهم اجمعين".

 ثم قال بعد كلام اخر فيهم: "فهم الطبقة العليا، وسادات الطريقة المثلى، ولهم علم الموازين واداء الحقوق. وكان سلمان الفارسي رضي الله عنه منهم بل هو من اجلهم قدرا" اه، وهؤلاء يقال لهم الملامتية والملامية ايضا، حسبما دل عليه كلامه فيما قبل هذا من ابواب الفتوحات المكية.

وقد كان اخونا وسيدنا الشريف الاجل، الولي الصالح، مولانا مَحمد بنُ ابي النصر العلوي، احد الخاصة من اصحاب سيدنا الشيخ رضي الله عنه يقول لنا مرارا: "ان احوال غالب اهل طريقتنا جارية على احوال الملامتية". وهو ظاهر فيما ينطبق عليه كلام الحاتمي رضي الله عنه من اوصاف اهلها. وقد صرح بذلك بعض اصحابنا، وهو من اعلام الطريقة واركانها، في جواب له. ونص كلامه في جملة ما وصفهم به: "ولا يدَّعون دعوى، ولا مزية، ولا خصوصية، ولا تمييزا عن الجنس. كل ذي حرفة في حرفته، وكل ذي شغل في شغله. مع ان منهم المتصرفين في الكون بالاحوال، لا بالخواص والاستعدادات الطبيعية. فلا شك انهم السادات الملامية الذين رئيسهم ذو الخِلال سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنه وعنهم:

 

حَسْبِي بِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ بَدَلا فَهُمْ
انِّي خَتَمْتُ عَلَى الضَّمِيرِ بِحُبِّهِمْ
وَجَعَلْتُهُ حَرَما لَهُمْ فَسِِوَاهَمُ
انْ لاحَ لِي مِنْ افْقِ مَغْنَاهُمْ سَنيً

 

 

رُوحِي وَرَيْحَانِي وَبُرْءُ سَقَامي[3]
فَغَدَا هَوَاهُمْ فِيهِ زُهْرُ كِمَامِي
مَا انَّ لَهُ بِحِمَاهُ مِنْ الْمَامِ
فَعَلَى الوُجُودِ تَحِيَّتِي وَسَلامِي

 

اه من الجواب المسكت:

- وقسمها الشيخ الاكبر محيي الدين الحاتمي ايضا الى عدة طرق باعتبار اخر يفضي بنا ايراد ذلك الى التطويل، مع ان المراد من هذه التقسيمات هو ما قدمناه من التمثيل.

- وذكر الشيخ الامام، العالم العلامة، الراوية الرحالة، ابو سالم العياشي رحمه الله تعالى ورضي عنه في رحلته عن شيخه الشيخ ابي علي حسن بن علي العجِيمي الحنفي رحمه الله تعالى انه قسمها الى اربعين طريقا. وذلك باعتبار ما كان موجودا في زمنه بالبلاد المشرقية وغيرها من طرق المشايخ المعتبرين في التسليك والارشاد، الموصوفين بالتربية والترقية وافاضة الامداد. وذكر عن شيخه المذكور انه افرد تقسيمه لها برسالة استوعب فيها جميعها، وذكر فيها ما يتميز به اهل كل طريق منها. قال: "وهي غاية في الباب، مستوعبة اتم استيعاب، ما رايت مثلها لاحد قبله ممن سلك الطريق، وعد من اولئك الفريق". قال: "وهي دالة على سعة اطلاعه، وكثرة اعتنائه بالطريق ولقاء اهلها". الى اخر كلامه في ذلك في رحلته.

ثم ذكر منها، اي من الرسالة المذكورة، بعض ما تمس الحاجة اليه من ذلك سرده لتلك الطرق هكذا: محمدية، اوَيْسِية، قَلَنْدَرِية، صديقية، ملامتية، كَبْرَوية، هَمْدَانية، رُكْنِية، نُورِيَة، خَلْوَتِية، مَوْلَوِية، جَهْرية، بُرْهَانية، احمرية، سَهْرَوَرْدِية، خَفِيفِية، شاذلية، وَفَائِية، زَرُّوقية، بَكْرية، جزولية، خواطرية، عبدروسية، مُشَارعية، حاتيمة، قادرية، غُرابية، مَدْيَنِيَّة، قشيرية، رفاعية، خَرَّازية، خشنية، مدارية، شطَّارية، عِشقية، نقشبندية، غوثية، حلاجية ،جنيدية، سَهْلية اه.

 ومن ذلك قوله في المحمدية التي ابتدا بها وقدمها على جميعها ما نصه: "اما المحمدية فمنسوبة الى سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ووجه اختصاصها بالانتساب اليه، مع ان الكل راجعة اليه، ومستمدة منه، ان صاحبها، بعد تصحيح بدايته وسلوكه على منهج الاستقامة المبين في الكتاب والسنة، يشتغل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الى ان تستولي محبته على قلبه، ويُخامرَ سرَّه تعظيمُه، بحيث يهتز عند سماع ذكره، ويغلب على قلبه مشاهدته، ويصير تمثاله بين عيني بصيرته. فيسبغ الله عليه نعمه ظاهرة وباطنة، ولا يجعل لمخلوق عليه منة الا النبي صلى الله عليه وسلم. فيراه في اليقظة والمنام، ويساله عما يريد". قال: "وقد سلك على هذا جماعة من المشايخ قديما وحديثا". قال الشيخ ابو سالم: "ذكر صاحب الرسالة جماعة منهم". ثم قال اعني ابا سالم رحمه الله تعالى: "قلت: وقد رايت بالقاهرة سنة كذا بجامع المَارْدِِينِي الشيخَ محمد الخَلُّوتي وهو رجل مسن منقطع بالمسجد وله اصحاب. فسالته عن طريقه ولمن ينتسب فقال لي: اما انا فطريقي محمدية لا انتسب لاحد الا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم. وذكر انه محافظ على استحضار صورته الشريفة[4] صلى الله عليه وسلم في باطنه، فاغناه ذلك عن التقيد بشيخ والاستمداد منه او كلاما من هذا" اه كلامه في الرحلة.

وفي صنيع الرسالة ما يشهد لكمال ذوق صاحبها حيث قدم الكلام على هذه الطريق المنسوبة بالوجه الخاص لسيد الوجود صلى الله عليه وسلم. وقد عرفتَ ما تميزت به الطريق المحمدية من كلام الشيخ العَجيمي، وكذا من كلام الشيخ محمد الخلُّوتي فيما حكاه عنهما صاحب الرحلة. وبه تعلم انها طريق شهيرة. وقد افردها القطب السمان بالتاليف، وذكرها غير واحد من الائمة في غير ما تصنيف.

ولغرابة علم الطريق في هذا الزمان تجد الكثير من اهل العلم وبعض المتصوفة وغيرهم من المتصلحين ينكرون وجودها، بل لا يدرون لها حقيقة اصلا، والامر لله، ولا حول ولا قوة الا بالله. ومن هذه الحيثية، اي من حيثية ما عم في الوقت من الجهل بعلم الطريق، كبر في صدور كثير من الناس امر طريقنا هذه المحمدية حتى ادعوا انها لا شيخ لها ولا امام، فلم يهتد اليها الا من سبقت له العناية الازلية لا غير. وسياتي لنا في المطلب بعد هذا مزيد بيان وايضاح فيما اختصت به هذه الطريقة الشريفة. نفعنا الله بها وباسرارها بمنه وكرمه امين.

ومما ذكره في الرحلة عن شيخه صاحب الرسالة المذكورة قوله في الاويسية: "انهم المنسوبون الى روحانية بعض الانبياء والمشايخ، كاخذ سيدنا اويس عن روحانية سيد المرسلين، وكاخذ ابي يزيد عن روحانية الامام جعفر الصادق، فصار كل من اخذ عن روحانية شيخ تسمى طريقه اويسية" اه.

وقد وُجِدَتْ هذه الطريق في اهل طريقنا كما بلغنا انه اتفق لبعض مشاهير الاولياء من اهل تِشِيت، فاخذ عن روحانية سيدنا الشيخ رضي الله عنه بمسجده من بلده واجاز له باطلاق، اخبرني بالاخذ عن روحانية الشيخ رضي الله عنه الناظم رحمه الله تعالى. واما الولاية فمتفق على اثباتها له ببلده، متواتر امرها عنه. ولا نشك في وقوع ذلك لغيره ايضا ممن يكرمه الله تعالى به اذ لا غرابة فيه.

ومن ذلك ايضا ما ذكره في القَلَنْدَرِية من: "ان مبنى طريقهم على حصول طيبة القلب، والتقلل من الدنيا، وترك الادخار. ومن شانهم انهم لا يشتغلون بترك الملذوذات من الاطعمة المباحة، ولا بالزيادة على الفرائض اذا حصلت لهم". اه ما ذكره في القلندرية في الرحلة عن شيخه في رسالته المذكورة، وهو ملخص ما في [عوارف المعارف] في وصفهم.

ومن ذلك ايضا قوله في الصديقية انها منسوبة الى سيدنا ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. قال: "وقد ذكرها صاحب مفتاح الفلاح" اه كلامه. وهذه الطريق هي طريق الشيخ ابي بكر بن هُوَارَى كما ذكره ابن باديس في سينيته رحمه الله تعالى بقوله: "..ولابن هواري في المقامات رتبة.. الى اخر الابيات الخمسة. راجع السينية وشروحها.

ومن ذلك ايضا قوله في الملامتية: "ان مبنى طريقهم على الخروج من رعونات النفوس، وتطهيرها من جنابة[5] العجب والرياء وحب الجاه والرياسة، واسقاط المنزلة من قلوب الناس بامور ينكرها العوام اه.

وقد علمت ما اصطلح عليه الشيخ محيي الدين في الملامتية من كونهم اعلى طوائف اهل الطريق، فاشدد عليه يدك، ولا يَخْدِش لك في وجهه ما في [عوارف المعارف] وغيره مما يخالفه، فان منشا الاختلاف في ذلك الاختلاف في الاصطلاح، ومعلوم انه لا مشاحة فيه، فافهم، والله سبحانه وتعالى اعلم.

ومن ذلك قوله في الكَبْروية: "انها منسوبة الى الشيخ نجم الدين الكَبْري.

 قال: "والهمدانية شعبة منها الا ان اهلها يختارون الاسرار بالذكر مطلقا الا بعد فريضة الصبح". قال: "وقد ذكر المُلا جَامِي ان الشيخ علي الهمداني ساح الربع المعمور، وصحب الفا واربعمائة ولي، اخذ عن كل واحد منهم ذكرا وجد ذلك الشيخ ثمرته فجمعها. ثم لما زار النبي صلى الله عليه وسلم راه وقد اعطاه شيئا وقال له: خذ هذه الاوراد، فراها فاذا هي التي جمعها من مشايخه. فجعلها حينئذ وردا في الصباح وقف على بركتها كثير ممن لازمها. "وذكر صاحب الرسالة عن نفسه انه اخذها عن بعض ذرية الشيخ علي الهمداني المذكور.

وذكر ايضا في الركنية [السمَّانية][6] نسبة الى الشيخ رُكْن الدين السَّمْنَاني: "انها شعبة من التي قبلها يعني الهمدانية.

 والنُّورية نسبة الى الشيخ نور الدين الاسْفَرَايني، شعبة من التي قبلها ايضا كذلك.

ثم ذكر الخَلُّوتية وان مبنى طريقهم على الذكر بالكلمة الطيبة بكيفية مخصوصة، ثم ذكر الجلالة، ثم ذكر الاسماء العشرة على الترتيب: هُوَ، حَقٌّ، حَيٌّ، قَهَّارٌ، وَهَّابٌ، فَتَّاحٌ، واحدٌ، احدٌ، صمَدٌ، قيومٌ. وتنتهي الى الشيخ قطب الدين احمد بن محمد الابْهَري" اه كلامه.

وهذه الطريقة هي التي سلك عليها شيخنا رضي الله عنه حتى فتح عليه بما فتح به من ملاقاته صلى الله عليه وسلم والاخذ عنه حسبما تقدم. وسياتي ايضا اخذها رضي الله عنه عن شيخه الشيخ محمود الكردي المصري بسنده الى الشيخ الابهري المذكور، وهو عن ابي النجيب السُّهْرَوَرْدِي بسنده الى الجنيد عن السَّرِي عن معروف عن داود الطائي، عن حبيب العَجَمي، عن الحسن البصري رضي الله عن جميعهم، عن مولانا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن رب العزة تبارك وتعالى. وانظر السند بتمامه في كتاب [جواهر المعاني].

ثم ذكر المولوية، وقال: "انها تنسب الى المولى جلال الدين الدَّوْسي".

والجهرية، قال: "ومبناها على الجهر بالذكر، وتنتهي الى الخَوْجَة احمد السَّيُّوري". قال: "وهي من سيدنا الخضر عليه السلام".

والبرهانية نسبة الى الشيخ برهان. قال: "من شان اهلها الجهر بالذكر ولُبْس الزي وهو الاخضر".

والاحمرية، ومن شانهم لُبس الزي وهو الاحمر.

والسُّهْرَوَرْدِيَّة معروفة، وكذا الخفيفية. وطريق اهلها الغيبة والحضور. والشاذلية معروفة. والاربع بعدها شعبة منها.

والخواطرية مبنية على الذكر بكلمة التوحيد على كيفية مخصوصة.

والعبدروسية نسبة الى الشيخ عبد الله بن عبدروس.

 والمشارعية ومبناها على الجهر بالذكر، ومن شانهم السماع بشروطه، ومطالعة كتب القوم وقراءتها، ولُبس الزي للدَّرُوزَة: وهو الوقوف على الناس للسؤال. ونسبتهم الى الشيخ احمد بن موسى المَشْرَع اليمني.

والحاتمية والقادرية منسوبتان الى الشيخين الجليلين الحاتمي والجِيلاني والتي بعد الثانية شعبة منها.

 والْمَدْيَنِية للشيخ ابي مدين الغوث، وهي شعبة من القادرية ايضا. والرفاعية شعبة من القادرية ايضا. والقشيرية نسبة الى الاستاذ، وهي معروفة. والخرازية لابي سعيد الخراز. والخُشَنِية، فالى قطب الدين الخُشَني. والْمَدارِية فالى الشيخ بديع الزمان الشَاهْ مَدَارِي. والشطارية الى الشيخ عبد الله الشَّطَّاري. والعِشقية تنسب الى الشيخ ابي يزيد العِِشْقِي. والنقشبندية الى الشيخ بهاء الدين نقشبند. والغوثية خلاصة السادات الشُّطَّار. ينسبون الى الشيخ غوث الله صاحب الجواهر الخمس.

والحلاجية معروفة، وكذا الجنيدية. والسَّهْلية الى سهل بن عبد الله اه الغرض مما لخصه الشيخ ابو سالم رحمه الله تعالى من رسالة شيخه المذكور. وليراجع الرحلة من اراد الوقوف على ذلك بتمامه.

وفيما ذكرناه من هذه التقسيمات عن هؤلاء الاعلام، كفاية فيما قصدنا التمثيل به في هذا المقام.

 ولاشك ان من نظر فيها، وفتح الله بصيرته لفهمها، يسلم لجميع المشايخ، ويُقِرُّ جميع طرقهم، ويعلم ان الزهر الوان، وان قصر الكلام على ما اقتضاه الالْفُ الطبيعي من اعظم اسباب الحرمان، والله المستعان، وليس الا عليه في التوفيق التكلان.

تتمة نافعة

تكون ان شاء الله تعالى لما حُمْنا حوله في هذا المطلب كالفذلكة الجامعة.

قد عرفت من جميع ما ذكرناه في هذا المطلب ان الولاية امر خارج عن دائرة العقل والتخمين، وان الاولياء تُخْفى حقائقُهم وما امتازوا به من العلم بالله في بواطنهم على بعضهم بعضا فضلا عن غيرهم. فلهذا كان لا يصل اليهم الا من جذبته جواذب العناية الالهية، وقادته نحوهم ازِمَّة الخصوصية الربانية. لان الولي اذا كان لا يعرف حقيقته ولي مثله فكيف يعثر عليها من ليس له قدم فيها، مع كونه لا يرى الا انسانا مثله ياكل كما ياكل، ويشرب كما يشرب، ويجري[7] عليه جميع الاعراض التي تجري عليه. هذا مما لا سبيل اليه. والى هذا اشار التاج بن عطاء الله بقوله في الحكم رضي الله عنه: "سبحان من لم يجعل الدليل على اوليائه، الا من حيثُ الدليلُ عليه، ولم يوصِّل اليهم الا من اراد ان يوصله اليه".

قال ابن عباد رحمه الله تعالى: "ولما كان الوصول الى الله تعالى لا يكون الا بالعناية والخصوصية، ويستحيل ان يكون بطلب او سبب، كان اولياؤه المخصوصون بالقرب منه كذلك، لما خلع عليهم الخِلَع العظيمة، وتولاهم بمنته الجسيمة، واصطفاهم لنفسه، واختصهم لمحبته وانسه، وطهر اسرارهم من انجاس الاغيار، وصان قلوبهم بما اودع فيها من الانوار، فكانوا لذلك ضنائنه في عباده، وخباياه في بلاده، كما قال في بعض الاشارات عنه سبحانه وتعالى: [اوليائي تحت فنائي، لا يعرفهم احد غيري]. وهذا من غيرته عليهم لان الحق تعالى اغْيَرُ على اوليائه من ان يظهرهم الى من لا يعرفهم. فلم يجعل لاحد دليلا عليهم الا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل اليهم الا من اراد ان يوصله اليه. لانه يلبسهم لباس التلبيس بين الانام، ويظهرهم بما يُحقِّرهم في اعين الخواص والعوام، فانى يكون لاحد دليل عليهم، او وصول بسبب اليهم". اه.

ونَقَل عن التاج ايضا انه رحمه الله تعالى قال في [لطائف المنن]: "وسمعته، يعني شيخه الشيخ ابا العباس المرسي رضي الله تعالى عنه، يقول: معرفة الولي اصعب من معرفتك الله، فان الله تعالى معروف بكماله وجماله، وحتى متى تعرف مخلوقا مثلك، ياكل كما تاكل، ويشرب كما تشرب. قال: "واذا اراد الله ان يعرفك بولي من اوليائه، طوى عنك وجود بشريته، واشهدك وجود خصوصيته" اه.

وذلك لان الولي لا يلزم من ثبوت خصوصيته، انعدام بشريته. وبيانه: ان الخصوصية هي ما يَخُصُّ الله تعالى به عبده من اوصافه العلية، ونعوته القدسية، ليغَطِّي بذلك اوصاف نفسه البشرية، ويوصّلَه الى حضرة معارفه السنية. وهذا الستر وارد من الله تعالى على العبد من عين الجود والمنة، وليس بذاتي له. واما البشرية فهي الاوصاف الذاتية للعبد، والامر الذاتي يستحيل انعدامه. وانما اللازم من ذلك السَّتر عدم غلبة ذلك الوصف على العبد بحكم الوارد الموجب لتعطيل احكامه، لا لانقلابه وانعدامه. فاذا قُِّدر ذهاب هذا الوارد الغالب، بقي الوصف البشري الذاتي غالبا قاهرا. فمن اراد الله تعالى ان يوصله الى احد من اهل ولايته، ايده بانوار عنايته، فطوى عنه اوصاف بشرية ذلك الولي الذاتية، واشهده تلك الخصوصيةَ الواردةَ عليه من اثار النعوت الاسمائية والصفاتية، ومن لم يرد الله به ذلك عميت عليه في تلك الخصوصية الانباء، وانطمست بينه وبينها المسالك. فافهم.

وههنا دقيقة: وهي ان كل قاصد الى الولي من المريدين لا يرى الا ما هو متلبس به في باطنه، لما ذكره صاحب [الذهب الابريز] عن شيخه القطب سيدي عبد العزيز رضي الله عنه من ان "الولي الكامل يتلون على قلوب القاصدين" الخ كلامه. فكل من قصد الولي معتقدا فيه الكمال، مصدقا بما منحه الله تعالى من سني الكرامات والاحوال، كان جزاؤه من المولى الكبير المتعال، ان لا يريه منه الا ما ينشرح له الصدر وينفسح به البال. وكل من قصده معتقدا فيه غير ذلك، لا يرى الا ما يسوءه ويستهويه في الردى والمهالك، جزاء وفاقا.

وقد قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه في جواب له عن حقيقة الشيخ الواصلِ ما نصه: "واما التصديق للاولياء فهو امر الهي يضعه الله في القلب، فلا يقدر على الانفكاك عنه ولو راى منه الف معصية. لكن ان كان المريد صادقا فثواب صدقه ان لا يرى الا ما يسره" الى اخر كلامه رضي الله عنه، فليراجعه من اراده.

وليكن هذا اخر ما نورده في هذا المطلب. وبالله التوفيق، والهداية الى سواء الطريق.


 

[1] ـ وفي نسخة جسوس: موضع

[2] ـ وفي نسخة جسوس: بهم

[3] ـ وفي نسخة جسوس: بدون ياء في عجوز الأبيات الأربعة.

[4] ـ وفي نسخة جسوس: دون الشريفة

[5] ـ أمر مؤلفه بإبقاء لفظ جنابة وقال إنه أعظم جناية لا يمكن تطهيرها إلا بشق الأنفس.

[6] ـ كذا في نسخة محمد بن المعطي

[7] ـ وفي نسخة جسوس: وتجري

 

بغية المستفيد لشرح منية المريد

Centro de Estudio y Difusión de la Vía Tiŷāniyya